فصل
قال الفخر :
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم، والمعنى أن الذي مضى ذكره من حديث حنة وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم، إنما هو من إخبار الغيب فلا يمكنك أن تعلمه إلا بالوحي.
فإن قيل : لم نفيت هذه المشاهدة، وانتفاؤها معلوم بغير شبهة، وترك نفي استماع هذه الأشياء من حفاظها وهو موهوم ؟.
قلنا : كان معلوماً عندهم علماً يقينياً أنه ليس من أهل السماع والقراءة، وكانوا منكرين للوحي، فلم يبق إلا المشاهدة، وهي وإن كانت في غاية الاستبعاد إلا أنها نفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع ولا قراءة، ونظيره ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى﴾ [ القصص : ٤٤ ]، ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور﴾ [ القصص : ٤٦ ] ﴿وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم﴾ [ يوسف : ١٠٢ ] ﴿وَمَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذا﴾ [ هود : ٤٩ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٤٠﴾
فصل
قال ابن عادل :
قوله :﴿ ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب نُوحِيهِ ﴾ يجوز فيه أوجه :
أحدها : أن يكون " ذَلِكَ " خبرَ مبتدأ محذوفٍ، وتقديره : الأمر ذلك. و﴿ ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الغيب ﴾ متعلقاً بما بعدَه، وتكون الجملة من " نُوحِيهِ " - إذ ذاك - إما مُبَيِّنَة وشارحة للجملة قبلها، وإما حالاً.
الثاني : أن يكون " ذَلِكَ " مبتدأ، و﴿ مِنْ أَنَبَآءِ الغيب ﴾ خبره، والجملة من " نُوحِيهِ " مستأنفة، والضميرُ من " نوحِيهِ " عائد على الغيب، أي : الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب ونعلمك به ونُظهرك على قصص مَنْ تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والأخبار، ولذلك أتى بالمضارع في " نُوحِيهِ ". وهذا أحسن من عَوْده على " ذَلِكَ " ؛ لأن عَوده على الغيب يشمل ما تقدم من القصص، وما لم يتقدم منها، ولو أعدته على " ذَلِكَ " اختص بما مَضَى وتقدم.
الثالث : أن يكون " نُوحِيهِ " هو الخبر و﴿ مِنْ أَنَبَآءِ الغيب ﴾ على وجهَيْه المتقدمَيْن من كونه حالاً من ذلك، أو متعلقاً بـ " نُوحِيه ".
ويجوز فيه وجه ثالثٌ - على هذا - وهو أن يُجْعَل حالاً من مفعول " نُوحِيهِ " أي : نوحيه حال كونه بعض أنباءِ الغيبِ. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٢١٧﴾
فائدة
قال الفخر :