وذلك قد يكون بكتاب وإشارة وإيماء، وبإلهام، وبرسالة، كما قال جل ثناؤه :( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) [سورة النحل : ٦٨]، بمعنى : ألقى ذلك إليها فألهمها، وكما قال :( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ ) [سورة المائدة : ١١١]، بمعنى : ألقيت إليهم علمَ ذلك إلهامًا، وكما قال الراجز :
* أَوْحَى لَهَا القَرَارَ فاسْتَقَرَّتِ *
بمعنى ألقى إليها ذلك أمرًا، وكما قال جل ثناؤه :( فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) [سورة مريم : ١١]، بمعنى : فألقى ذلك إليهم إيماء.
والأصل فيه ما وصفتُ، من إلقاء ذلك إليهم. وقد يكون إلقاؤه ذلك إليهم إيماءً، ويكون بكتاب. ومن ذلك قوله :( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ) [سورة الأنعام : ١٢١]، يلقون إليهم ذلك وسوسةً، وقوله :( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) [سورة الأنعام : ١٩]، ألقى إلي بمجيء جبريل عليه السلام به إليّ من عند الله عز وجل.
وأما"الوحْي"، فهو الواقع من الموحِي إلى الموحَى إليه، ولذلك سمت العرب الخط والكتاب"وحيًا"، لأنه واقع فيما كُتِب ثابتٌ فيه، كما قال كعب بن زهير :
أَتَى العُجْمَ والآفَاقَ مِنْهُ قَصَائِدٌ... بَقِينَ بَقَاءَ الوَحْيِ فِي الحَجَرِ الأصَمّ
يعني به : الكتابَ الثابت في الحجر. وقد يقال في الكتاب خاصةً، إذا كتبه الكاتب :"وحَى" بغير ألف، ومنه قول رؤبة :
كَأَنَّهُ بَعْدَ رِيَاحِ تَدْهَمُهْ... وَمُرْثَعِنَّاتِ الدُّجُونِ تَثِمُهْ إنْجِيلُ أَحْبَارٍ وَحَى مُنَمْنِمُهْ. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٦ صـ ٤٠٤ ـ ٤٠٦﴾
قوله تعالى :﴿إِذْ يُلْقُون أقلامهم أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾
قال ابن عادل :
﴿ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ ﴾.
أقلام : جمع قَلَم، وهو فَعَل بمعنى مفعول، أي : مَقْلُوم.