فائدة
قال فى ملاك التأويل :
قوله تعالى : مخبرا عن قول عيسى عليه السلام :"إن الله ربى وربكم فاعبدوه"، وفى سورة مريم :"وإن الله ربى وربكم فاعبدوه"، فعطف الآية على ما قبلها بواو النسق وفى سورة الزخرف :"إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه" بغير حرف النسق مع زيادة الفصل بالضمير من قوله"هو" ولم يقع ذلك فى الآيتين قبل كما لم يقع العطف فى الأولى والثالثة فانفردت كل آية من الثلاث بما وردت عليه مع اتحاد المقصد فيما أعطته كل واحدة منها فللسائل أن يسأل عن ذلك ؟
والجواب والله أعلم : أن آية مريم لما تضمنت مقالة عيسى عليه السلام وآية كلامه فى المهد مخبرا عن حاله النبوية وما منحه الله من الخصائص الاصطفائية فقال :"إنى عبد الله آتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا" إلى ما أعقب به هذا من الخصائص الجليلة منسوقا بعضها على بعض ليبين تعداد تلك النعم إلى قوله :"والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا"، فذكر ما حفظ الله عليه من كرامته فى هذه الأحوال الثلاثة البشرية وهى : حال الولادة وحال الموت وحال البعث بعده وهذه أحوال تتنزه الربوبية عنها وتتعالى عن تجويزها عليه سبحانه وإذا صحبتها العادة لم تكن نقصا فى البشرية إذ بها امتيازها وهى من حيث الحيوانية الحادثة فصلها. ثم لما كان من تمام إخبار عيسى عليه السلام وتعريفه بما عرف به وتكميل ما قصد به إقراره لله سبحانه بالربوبية للكل فى قوله :"وإن الله ربى وربكم فاعبدوه" وكان متصلا بما تقدم وكأن قد قال : إنى عبد الله ومخصوص منه بكذا وكذا ومعترف بانفراد خالقى بملك الكل وقهرهم وخلقهم فهو ربهم ومالكهم والمعبود الحق فلما كان الكلام من حيث معناه متصلا وقد ورد أثناءه ما يعطى بظاهره حين أخبر تعالى عنه بقوله عليه السلام :"والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا"


الصفحة التالية
Icon