مناظرة القاضى أبى بكر الباقلانى في مجلس ملك الروم وأخباره معه
وجه عضد الدولة في بعض سفراته، إلى ملك الروم الأعظم، القاضي أبا بكر ابن الطيب، واختصه بذلك، ليظهر رفعة الإسلام، ويغض من النصرانية. فلما تهيأ للخروج، قال للقاضي، وزير عضد الدولة : الطالع خروجاً؟ فسأله القاضي أبو بكر. فلما فسر مراده، قال : لا أقول بهذا. لأن السعد والنحس كله، والشر والخير كله، بيد الله عز وجلّ. ليس للكواكب هاهنا مثقال ذرة من القدرة. وإنما وضعت كتب المنجمين ليتمعش بها الجاهلون، بين العامة. ولا حقيقة لها. فقال الوزير : احضروا لي ابن الصدفي، ليست المناظرة من شأني. ولا أنا قائم بها، وإنما أنا أحفظ علم النجوم، وأقول إذا كان من النجوم كذا كان كذا. وأما تعليله، فهو من علم المنطق. فأحضر وأمر بمكالمة القاضي، فقال له أبو سليمان : هذا القاضي يقول : إن الباري سبحانه، قادر على أن يركب عشرة أنفس في ذلك المركب الذي في دجلة، فإذا وصلوا إلى الجانب الآخر يكون الله قد زاد فيهم آخر فيكونون أحد عشر. ويكون الحادي عشر من خلقه الله في ذلك الوقت. ولو قلت أنا لا يقدر على ذلك أو هذا محال، قطعوا لساني وقتلوني، وإن أحسنوا إليّ كتفوني، ورموني في الدجلة. وإذا كان الأمر كما ذكرت لم يكن لمناظرتي معه معنى. فالتفت الوزير إلى القاضي وقال : ما تقول أيها القاضي؟ فقلت : ليس كلامنا هاهنا في قدرة الباري تعالى، والباري تعالى قادر على كل شيء. وإن جحده هذا الجاهل، وإنما كلامنا في تأثيرات هذه الكواكب، فانتقل إلى ما ذكر لعجزه وقلة معرفته، وإلا فأي تعلق للكلام في قدرة الباري، عز وجلّ، في مسألتنا؟ وأنا وإن قلت إن القديم تعالى قادر على ذلك، ما أقول إنه يخرق العادة، وبفعل هذا. لأنه لا يجوز عندنا أن يخلق اليوم إنساناً من غير أبوين، فإذا كان كذلك فقد علم الوزير أن هذا فرار من الزحف. فقال هو كما ذكرت. فقال المنطيقي : المناظرات دربة وتجربة، وأنا لا أعرف مناظرات هؤلاء القوم، وهم لا يعرفون مواضعتنا وعبارتنا، ولا تجمل