والقول الثالث :﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ أي اكتبنا في جملة من شهد لك بالتوحيد ولأنبيائك بالتصديق، والمقصود من هذا أنهم لما أشهدوا عيسى عليه السلام على إسلام أنفسهم، حيث قالوا ﴿واشهد بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ فقد أشهدوا الله تعالى على ذلك تأكيداً للأمر، وتقوية له، وأيضاً طلبوا من الله مثل ثواب كل مؤمن شهد لله بالتوحيد ولأنبيائه بالنبوّة.
القول الرابع : إن قوله ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ إشارة إلى أن كتاب الأبرار إنما يكون في السموات مع الملائكة قال الله تعالى :﴿كَلاَّ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلّيّينَ﴾ [ المطففين : ١٨ ] فإذا كتب الله ذكرهم مع الشاهدين المؤمنين كان ذكرهم مشهوراً في الملأ الأعلى وعند الملائكة المقربين.
القول الخامس : إنه تعالى قال :﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم﴾ [ آل عمران : ١٨ ] فجعل أولو العلم من الشاهدين، وقرن ذكرهم بذكر نفسه، وذلك درجة عظيمة، ومرتبة عالية، فقالوا ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين﴾ أي اجعلنا من تلك الفرقة الذين قرنت ذكرهم بذكرك.
والقول السادس : أن جبريل عليه السلام لما سأل محمداً ﷺ عن الإحسان فقال :" أن تعبد الله كأنك تراه " وهذا غاية درجة العبد في الاشتغال بالعبودية، وهو أن يكون العبد في مقام الشهود، لا في مقام الغيبة، فهؤلاء القوم لما صاروا كاملين في درجة الاستدلال أرادوا الترقي من مقام الاستدلال، إلى مقام الشهود والمكاشفة، فقالوا ﴿فاكتبنا مَعَ الشاهدين ﴾.