فصل
قال الفخر :
أصل المكر في اللغة، السعي بالفساد في خفية ومداجاة، قال الزجاج : يقال مكر الليل، وأمكر إذا أظلم، وقال الله تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ﴾ [ الأنفال : ٣٠ ] وقال :﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [ يوسف : ١٠٢ ] وقيل أصله من اجتماع الأمر وإحكامه، ومنه امرأة ممكورة أي مجتمعة الخلق وإحكام الرأي يقال له الإجماع والجمع قال الله تعالى :﴿فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ﴾ [ يونس : ٧١ ] فلما كان المكر رأياً محكماً قوياً مصوناً عن جهات النقص والفتور، لا جرم سمي مكراً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٥٨﴾
فصل
قال الفخر :
أما مكرهم بعيسى عليه السلام، فهو أنهم هموا بقتله، وأما مكر الله تعالى بهم، ففيه وجوه
الأول : مكر الله تعالى بهم هو أنه رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وذلك أن يهودا ملك اليهود، أراد قتل عيسى عليه السلام، وكان جبريل عليه السلام، لا يفارقه ساعة، وهو معنى قوله ﴿وأيدناه بِرُوحِ القدس﴾ [ البقرة : ٨٧ ] فلما أرادوا ذلك أمره جبريل عليه السلام أن يدخل بيتاً فيه روزنة، فلما دخلوا البيت أخرجه جبريل عليه السلام من تلك الروزنة، وكان قد ألقى شبهه على غيره، فأخذ وصلب فتفرق الحاضرون ثلاث فرق، فرقة قالت : كان الله فينا فذهب، وأخرى قالت : كان ابن الله، والأخرى قالت : كان عبد الله ورسوله، فأكرمه بأن رفعه إلى السماء، وصار لكل فرقة جمع فظهرت الكافرتان على الفرقة المؤمنة إلى أن بعث الله تعالى محمداً ﷺ، وفي الجملة، فالمراد من مكر الله بهم أن رفعه إلى السماء وما مكنهم من إيصال الشر إليه.