ولما كان لذوي الهمم العوال، أشد التفات إلى ما يكون عليه خلائفهم بعدهم من الأحوال، بشره سبحانه وتعالى في ذلك بما يسره فقال :﴿وجاعل الذين اتبعوك﴾ أي ولو بالاسم ﴿فوق الذين كفروا﴾ أي ستروا ما يعرفون من نبوتك بما رأوا من الآيات التي أتيت بها مطابقة لما عندهم من البشائر بك ﴿إلى يوم القيامة﴾ وكذا كان، لم يزل من اتسم بالنصرانية حقاً أو باطلاً فوق اليهود، ولا يزالون كذلك إلى أن يعدموا فلا يبقى منهم أحد.
ولما كان البعث عاماً دل عليه بالالتفات إلى الخطاب فقال تكميلاً لما بشر به من النصرة :﴿ثم إليّ مرجعكم﴾ أي المؤمن والكافر في الآخرة ﴿فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٩٨ ـ ٩٩﴾
فائدة
قال ابن عادل :
قوله :﴿ إِذْ قَالَ الله ﴾ في ناصبه ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : قوله :﴿ وَمَكَرَ الله ﴾ أي : مكر الله بهم في هذا الوقت.
الثاني :﴿ خَيْرُ الماكرين ﴾.
الثالث : أنه "اذكر" ـ مقدرا ـ فيكون مفعولا به كما تقدم تقريره. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٢٦٥﴾

فصل


قال الفخر :
اعترفوا بأن الله تعالى شرف عيسى في هذه الآية بصفات :
الصفة الأولى :﴿إِنّي مُتَوَفّيكَ﴾ ونظيره قوله تعالى حكاية عنه ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ [ المائدة : ١١٧ ] واختلف أهل التأويل في هاتين الآيتين على طريقين أحدهما : إجراء الآية على ظاهرها من غير تقديم، ولا تأخير فيها
والثاني : فرض التقديم والتأخير فيها،
أما الطريق الأول فبيانه من وجوه
الأول : معنى قوله ﴿إِنّي مُتَوَفّيكَ﴾ أي متمم عمرك، فحينئذ أتوفاك، فلا أتركهم حتى يقتلوك، بل أنا رافعك إلى سمائي، ومقربك بملائكتي، وأصونك عن أن يتمكنوا من قتلك وهذا تأويل حسن


الصفحة التالية
Icon