وقوله :﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ ظاهر معناه : إني مميتك، هذا هو معنى هذا الفعل في مواقع استعماله لأن أصل فعل توفى الشيء أنه قبضه تاما واستوفاه. فيقال : توفاه الله أي قدر موته، ويقال : توفاه ملك الموت أي أنفذ إرادة الله بموته، ويطلق التوفي على النوم مجازا بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام : ٦٠] وقوله :﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً﴾ [الزمر : ٤٢]. أي وأما التي تمت الموت المعروف فيميتها في منامها موتا شبيها بالموت التام كقوله :﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ثم قال حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ فالكل إماتة في التحقيق، وإنما فصل بينهما العرف والاستعمال، ولذلك فرع بالبيان بقوله :"فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، فالكلام منتظم غاية الانتظام، وقد اشتبه نظمه على بعض الأفهام. وأصرح من هذه الآية آية المائدة فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم لأنه دل على أنه قد توفى الوفاة المعروفة التي تحول بين المرء وبين علم ما يقع في الأرض، وحملها على النوم بالنسبة لعيسى لا معنى له ؛ لأنه إذا أراد رفعه لم يلزم أن ينام ؛ ولأن النوم حينئذ وسيلة للرفع فلا ينبغي الاهتمام بذكره وترك ذكر المقصد، فالقول بأنها بمعنى الرفع عن هذا العالم إيجاد معنى جديد للوفاة في اللغة بدون حجة، ولذلك قال ابن عباس، ووهب بن منبه : إنها وفاة موت وهو ظاهر قول مالك في جامع العتبية قال مالك : مات عيسى وهو ابن إحدى وثلاثين سنة قال ابن رشد في البيان والتحصيل يحتمل أن قوله : مات وهو ابن ثلاث وثلاثين على الحقيقة لا على المجاز.