فصل
قال ابن عطية :
أجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد ويحج البيت ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعاً وعشرين سنة، وقيل أربعين سنة، ثم يميته الله تعالى. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٤٤٤﴾
فصل
قال الفخر :
المشبهة يتمسكون بهذه الآية في إثبات المكان لله تعالى وأنه في المساء، وقد دللنا في المواضع الكثيرة من هذا الكتاب بالدلائل القاطعة على أنه يمتنع كونه تعالى في المكان فوجب حمل اللفظ على التأويل، وهو من وجوه :
الوجه الأول : أن المراد إلى محل كرامتي، وجعل ذلك رفعاً إليه للتفخيم والتعظيم ومثله قوله ﴿إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى﴾ [ الصافات : ٩٩ ] وإنما ذهب إبراهيم ﷺ من العراق إلى الشام وقد يقول السلطان : ارفعوا هذا الأمر إلى القاضي، وقد يسمى الحجاج زوار الله، ويسمى المجاورون جيران الله، والمراد من كل ذلك التفخيم والتعظيم فكذا ههنا.
الوجه الثاني : في التأويل أن يكون قوله ﴿وَرَافِعُكَ إِلَىَّ﴾ معناه إنه يرفع إلى مكان لا يملك الحكم عليه فيه غير الله لأن في الأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأما السموات فلا حاكم هناك في الحقيقة وفي الظاهر إلا الله.
الوجه الثالث : إن بتقدير القول بأن الله في مكان لم يكن ارتفاع عيسى إلى ذلك سبباً لانتفاعه وفرحه بل إنما ينتفع بذلك لو وجد هناك مطلوبه من الثواب والروح والراحة والريحان، فعلى كلا القولين لا بد من حمل اللفظ على أن المراد : ورافعك إلى محل ثوابك ومجازاتك، وإذا كان لا بد من إضمار ما ذكرناه لم يبق في الآية دلالة على إثبات المكان لله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٦١﴾