الأول : أن المعنى : الذين اتبعوا دين عيسى يكونون فوق الذين كفروا به، وهم اليهود بالقهر والسلطان والاستعلاء إلى يوم القيامة، فيكون ذلك إخباراً عن ذل اليهود وإنهم يكونون مقهورين إلى يوم القيامة، فأما الذين اتبعوا المسيح عليه السلام فهم الذين كانوا يؤمنون بأنه عبد الله ورسوله وأما بعد الإسلام فهم المسلمون، وأما النصارى فهم وإن أظهروا من أنفسهم موافقته فهم يخالفونه أشد المخالفة من حيث أن صريح العقل يشهد أنه عليه السلام ما كان يرضى بشيء مما يقوله هؤلاء الجهال، ومع ذلك فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود فلا نرى في طرف من أطراف الدنيا ملكاً يهودياً ولا بلدة مملوءة من اليهود بل يكونون أين كانوا بالذلة والمسكنة وأما النصارى فأمرهم بخلاف ذلك. (١)
الثاني : أن المراد من هذه الفوقية الفوقية بالحجة والدليل.
واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله ﴿وَرَافِعُكَ إِلَىَّ﴾ هو الرفعة بالدرجة والمنقبة، لا بالمكان والجهة، كما أن الفوقية في هذه ليست بالمكان بل بالدرجة والرفعة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٦١ ـ ٦٢﴾
فائدة
قال ابن عادل :
﴿ إلى يَوْمِ القيامة ﴾ متعلق بالجَعْل، يعني أن هذا الجعل مستمر إلى ذلك اليوم. ويجوز أن يتعلق الاستقرار المقدَّر في فَوْقَ أي : جاعلهم قاهرين لهم، إلى يَوْمِ القيامةِ، يعني أنهم ظاهرون على اليهود، وغيرهم من الكفار بالغلبة في الدنيا، فأما يوم القيامة، فَيَحْكُمُ اللهُ بينهم، فيدخل الطائع الجَنَّةَ، والعاصي النَّارَ وليس المعنى على انقطاع ارتفاع المؤمنين على الكافرين بعد الدنيا، وانقضائها ؛ لن لهم استعلاءٌ آخر غير هذا الاستعلاء.

_
(١) الذين اتبعوه هم أمة رسول الله ( ﷺ ) لأن النصارى بدلوا وحرفوا فلم يؤمن به حقا إلا الأمة المحمدية، ولأنهم سيتبعونه عند نزوله قبيل الساعة ليقتل الدجال ويحكم بشريعة رسول الله ( ﷺ ) ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية. والله أعلم


الصفحة التالية
Icon