والجواب : إن القرآن أخبر أن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، فظهر الفرق، ثم نقول : أما إن النصارى ليسوا على ملة إبراهيم، فالأمر فيه ظاهر، لأن المسيح ما كان موجوداً في زمن إبراهيم، فما كانت عبادته مشروعة في زمن إبراهيم لا محالة، فكان الاشتغال بعبادة المسيح مخالفة لملة إبراهيم لا محالة، وأما إن اليهود ليسوا على ملة إبراهيم، فذلك لأنه لا شك إنه كان لله سبحانه وتعالى تكاليف على الخلق قبل مجيء موسى عليه السلام، ولا شك أن الموصل لتلك التكاليف إلى الخلق واحد من البشر، ولا شك أن ذلك الإنسان قد كان مؤيداً بالمعجزات، وإلا لم يجب على الخلق قبول تلك التكاليف منه فإذن قد كان قبل مجيء موسى أنبياء، وكانت لهم شرائع معينة، فإذا جاء موسى فإما أن يقال إنه جاء بتقرير تلك الشرائع، أو بغيرهما فإن جاء بتقريرها لم يكن موسى صاحب تلك الشريعة، بل كان كالفقيه المقرر لشرع من قبله، واليهود لا يرضون بذلك، وإن كان قد جاء بشرع آخر سوى شرع من تقدمه فقد قال بالنسخ، فثبت أنه لا بد وأن يكون دين كل الأنبياء جواز القول بالنسخ واليهود ينكرون ذلك، فثبت أن اليهود ليسوا على ملة إبراهيم، فبطل قول اليهود والنصارى بأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، فهذا هو المراد من الآية، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٧٧ ـ ٧٨﴾
فائدة
قال القرطبى :
قال الزجاج : هذه الآية أبْيَنُ حجة على اليهود والنصارى ؛ إذ التوراة والإنجيل أنزلا من بعده وليس فيهما اسم لواحد من الأديان، واسم الإسلام في كل كتاب.
ويقال : كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة، وبين موسى وعيسى أيضاً ألف سنة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ١٠٧﴾