ويجوز أن يكون الاستئناف من كلام الله تعالى عَقِبَ أمرِه الرسولَ بأن يقول ﴿ تعالَوا ﴾ فيكون توجيه خطاب إلى أهل الكتاب مباشرة، ويكون جعل الجملة الأولى من مقول الرسول دون هذه لأنّ الأولى من شُؤون الدعوة، وهذه من طرق المجاحّة، وإبطال قولهم، وذلك في الدرجة الثانِيَة مِن الدعوة.
والكلُ في النسبة إلى الله سواء.
ومناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى هذا الكلام نشأت من قوله :﴿ فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ﴾ [ آل عمران : ٦٤ ] لأنه قد شاع فيما نزل من القرآن في مكة، وبعدَها أنّ الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ يرجع إلى الحنيفية دين إبراهيم كما تقدم تقريره في سورة البقرة وكما في سورة النحل ( ) :{ ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وسيجيء أنّ إبراهيم كان حنيفاً مسلماً، وقد اشتهر هذا وأعلن بين المشركين في مكة، وبني اليهود في المدينة، وبين النصارى في وَفد نجران، وقد علم أنّ المشركين بمكة كانوا يدّعون أنهم ورثة شريعة إبراهيم وسدنة بيته، وكان أهل الكتاب قد ادّعوا أنهم على دين إبراهيم، ولم يتبين لي أكان ذلك منهم ادّعاء قديماً أم كانوا قد تفطنوا إليه من دعوة محمد، فاستيقظوا لتقليده في ذلك، أم كانوا قالوا ذلك على وجه الإفحام للرسول حين حاجهم بأنّ دينه هو الحق، وأنّ الدين عند الله الإسلام فألْجَؤوه إلى أحد أمرين : إما أن تكون الزيادةُ على دين إبراهيم غيرَ مخرجة عن اتِّباعه، فهو مشترَك الإلزام في دين اليهودية والنصرانية، وإما أن تكون مخرجة عن دين إبراهيم فلا يكون الإسلام تابعاً لدين إبراهيم.