ثم خص بالنفي من عرفوا بالشرك مع الصلاح لكل من داخله شرك من غيرهم كمن أشرك بعزير والمسيح عليهما الصلاة والسلام فقال :﴿وما كان من المشركين﴾ وفي ذكر وصفي الإسلام والحنف تعريض لهم بأنهم في غاية العناد والجلافة واليبس في التمسك بالمألوفات وترك ما أتاهم من واضح الأدلة وقاطع الحجج البينات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١١١ ـ ١١٢﴾
وقال ابن عاشور :
قوله تعالى ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧)﴾
نتيجة للاستدلال إذ قد تحَصحَص من الحجّة الماضية أنّ اليهودية والنصرانية غير الحنيفية، وأنّ موسى وعيسى، عليهما السلام، لم يخبرا بأنهما على الحنيفية، فأنتج أنّ إبراهيم لم يكن على حال اليهودية أو النصرانية ؛ إذ لم يؤْثَر ذلك عن موسى ولا عيسى، عليهما السلام، فهذا سنده خلوّ كتبهم عن ادّعاء ذلك.
وكيف تكون اليهودية أو النصرانية من الحنيفية مع خلوّها عن فريضة الحج، وقد جاء الإسلام بذكر فرضه لمن تمكن منه، ومما يؤيد هذا ما ذكره ابن عطية في تفسير قوله تعالى في هذه السورة :﴿ لا نفرّق بينَ أحد منهم ونحن له مسلمون ﴾ [ البقرة : ١٣٦ ] عن عكرمة قال :"لما نزلت الآية قال أهل الملل :"قد أسلمنا قبلك، ونحن المسلمون" فقال الله له : فحُجهم يا محمد وأنزل الله :﴿ وللَّه على الناس حجّ البيت ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] الآية فحجّ المسلمون وقَعد الكفار".
ثمّ تمم الله ذلك بقوله : وما كان من المشركين، فأبطلت دعاوى الفرق الثلاث.
والحنيف تقدم عند قوله تعالى :﴿ قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً ﴾ في سورة [ البقرة : ١٣٥ ].


الصفحة التالية
Icon