ولما كان الكلام مع اليهود والنصارى، كان الاستدارك بعد ذكر الانتفاء عن شريعتهما، ثم نفى على سبيل التكميل للتبري من سائر الأديان كونه من المشركين، وهم : عبدة الأصنام، كالعرب الذين كانوا يدعون أنهم على دين إبراهيم، وكالمجوس عبدة النار، وكالصابئة عبدة الكواكب، ولم ينص على تفصيلهم، لأن الإشراك يجمعهم.
وقيل : أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيراً والمسيح، فتكون هذه الجملة توكيداً لما قبلها من قوله ﴿ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ﴾ وجاء : من المشركين، ولم يجىء : وما كان مشركاً، فيناسب النفي قبله، لأنها رأس آية.
﴿ وما كان من المشركين ﴾ ثلاثة أقوال : أحدها : أن المشركين عبدة الأصنام والنار والكواكب والثاني : أنهم اليهود والنصارى والثالث : عبدة الأوثان واليهود والنصارى.
وقال عبد الجبار : معنى ﴿ ما كان يهودياً ولا نصرانياً ﴾ لم يكن على الدين الذي يدين به هؤلاء المحاجون، ولكن كان على جهة الدين الذي يدين به المسلمون.
وليس المراد أن شريعة موسى وعيسى لم تكن صحيحة.
وقال علي بن عيسى : لا يوصف إبراهيم بأنه كان يهودياً ولا نصرانياً لأنهما صفتا ذمّ لاختصاصهما بفرقتين ضالتين، وهما طريقان محرّفان عن دين موسى وعيسى، وكونه مسلماً لا يوجب أن يكون على شريعة محمد ﷺ، بل كان على جهة الإسلام.
والحنيف : اسم لمن يستقبل في صلاته الكعبة، ويحج إليها، ويضحي، ويختتن.
ثم سمي من كان على دين إبراهيم حنيفاً. انتهى.
وفي حديث زيد بن عمرو بن نفيل : أنه خرج إلى الشام يسأل عن الدين، وأنه لقي عالماً من اليهود، ثم عالماً من النصارى، فقال له اليهودي : لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله.
وقال له النصراني : لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله.
فقال زيد : ما أفرّ إلاَّ من غضب الله، ومن لعنته.