الْإِطْلَاقُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ عِنْدَهُمْ، فَصَارَ مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْمُتَّفَقَ عَلَى إِجْلَالِهِ وَادِّعَاءِ دِينِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ الثَّلَاثِ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلَّةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ كَانَ مَائِلًا عَنْ مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْوَثَنِيَّةِ وَالتَّقَالِيدِ مُسْلِمًا خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا أَنَّهُ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَعَلَى آلِهِمَا وَسَلَّمَ - مِنَ الشَّرِيعَةِ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا أَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ مِنْ بَعْدِهِ كَمَا كَانَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ مُتَحَقِّقًا بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ لِلَّهِ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ [٣ : ١٩] وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَسْتَطِيعُ أَهْلُ الْكِتَابِ إِنْكَارَهُ ; فَإِنَّ مَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ إِبْرَاهِيمَ لَا يَعْدُوهُ وَمَا كَانَ النَّبِيُّ يَدْعُوهُمْ إِلَّا إِلَيْهِ، وَقَدْ نَسِيَ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مَعْنَى الْإِسْلَامِ الَّذِي يُقَرِّرُهُ الْقُرْآنُ، وَجَمَدُوا عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَهُ فَجَعَلُوهُ جِنْسِيَّةً غَافِلِينَ عَنْ كَوْنِهِ هِدَايَةً رُوحِيَّةً، وَمَا كَانَ سَلَفُهُمُ الصَّالِحُ كَذَلِكَ.


الصفحة التالية
Icon