ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال عليه الرحمه :
قوله تعالى ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)﴾
استئناف ناشيء عن نفي اليهودية والنصرانية عن إبراهيم، فليس اليهود ولا النصارى ولا المشركون بأولى الناس به، وهذا يدل على أنهم كانوا يقولون : نحن أولى بدينكم.
و( أولى ) اسم تفضيل أي أشد ولْياً أي قرباً مشتق من وَلِي إذا صار وَليّاً، وعدّي بالباء لتضمّنه معنى الاتصال أي أخصّ الناس بإبراهيم وأقربهم منه.
ومن المفسّرين من جعل أولى هنا بمعنى أجدر فيضطرّ إلى تقدير مضاف قبل قوله :﴿ بإبراهيم ﴾ أي بدين إبراهيم.
والذين اتبعوا إبراهيم هم الذين اتبعوه في حياته : مثل لوط وإسماعيل وإسحاقَ، ولا اعتداد بمحاولة الذين حاولوا اتباع الحنيفية ولم يهتدوا إليها، مثل زيد بن عَمْرو بن نُفَيْل، وأميةَ ابن أبي الصّلْت، وأبيه أبي الصَّلت، وأبي قيْس صِرمَة بن أبي أنس من بني النجّار، وقال النبي ﷺ " كاد أمية بن أبي الصّلْت، أن يُسلم " وهو لم يدرك الإسلام فالمعنى كاد أن يكون حنيفاً، وفي "صحيح البخاري" : أنّ زيد بن عَمرو بن نُفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين فلقي عالماً من اليهود، فسأله عن دينه فقال له : إنّي أريد أن أكونَ على دينك، فقال اليهوديّ : إنّك لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، قال زيد : أفِرُّ إلاّ من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئاً أبداً وأنا أستطيع، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا ؟ قال : لا أعلمه إلاّ أن تكون حنيفاً، قال : وما الحنيف ؟ قال : دين إبراهيم لم يكن يهودياً ولا نصرانياً وكان لا يعبد إلاّ الله، فخرج من عنده فلقي عالماً من النصارى فقاوله مثل مقاولة اليهودي، غير أنّ النصراني قال : أن تأخذ بنصيبك من لَعنة الله، فخرج من عنده وقد اتفقا له على دين إبراهيم، فلم يزل رافعاً يديه إلى السماء وقال : اللهم أشهَدْ أنّي على دين إبراهيم وهذا أمنية منه لا تصادف الواقع.


الصفحة التالية
Icon