وكتمان الحق يحتمل أن يراد به كتمانهم تصديق محمد ﷺ ويحتمل أن يراد به كتمانهم ما في التوراة من الأحكام التي أماتوها وعوّضوها بأعمال أحبارهم وآثار تأويلاتهم، وهم يعلمونها ولا يعملون بها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٢٦﴾
فائدة
قال أبو حيان :
والظاهر أنه أنكر عليهم لبس الحق بالباطل، وكتم الحق، وكأن الحق منقسم إلى قسمين : قسم خلطوا فيه الباطل حتى لا يتميز، وقسم كتموه بالكلية حتى لا يظهر. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٥١٦﴾
قوله ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
قال الفخر :
أما قوله ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ففيه وجوه
أحدها : إنكم تعلمون أنكم إنما تفعلون ذلك عناداً وحسداً
وثانيها :﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي أنتم أرباب العلم والمعرفة لا أرباب الجهل والخرافة
وثالثها :﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أن عقاب من يفعل مثل هذه الأفعال عظيم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٨٢﴾
وقال أبو حيان :
﴿ وأنتم تعلمون ﴾ جملة حالية تنعي عليهم ما التبسوا به من لبس الحق بالباطل وكتمانه، أي : لا يناسب من علم الحق أن يكتمه، ولا أن يخلطه بالباطل، والسؤال عن السبب سؤال عن المسبب، فإذا أنكر السبب فبالأولى أن ينكر المسبب، وختمت الآية قبل هذه بقوله :﴿ وأنتم تشهدون ﴾ وهذه بقوله :﴿ وأنتم تعلمون ﴾ لأن المنكر عليهم في تلك هو الكفر بآيات الله، وهي أخص من الحق، لأن آيات الله بعض الحق، والشهادة أخص من العلم، فناسب الأخص الأخص، وهنا الحق أعم من الآيات وغيرها، والعلم أعم من الشهادة، فناسب الأعم الأعم.
وقالوا في قوله :﴿ وأنتم تعلمون ﴾ أي : إنه نبي حق، وإن ما جاء به من عند الله حق.
وقيل : قال :﴿ وأنتم تعلمون ﴾ ليتبين لهم الأمر الذي يصح به التكليف، ويقوم عليهم به الحجة.
وقيل :﴿ وأنتم تعلمون ﴾ الحق بما عرفتموه من كتبكم وما سمعتموه من ألسنة أنبيائكم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٥١٦ ـ ٥١٧﴾

فصل


قال الفخر :
قال القاضي : قوله تعالى :﴿لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ و﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الحق بالباطل﴾ دال على أن ذلك فعلهم، لأنه لا يجوز أن يخلقه فيهم، ثم يقول : لم فعلتم ؟
وجوابه : أن الفعل يتوقف على الداعية فتلك الداعية إن حدثت لا لمحدث لزم نفي الصانع، وإن كان محدثها هو العبد افتقر إلى إرادة أخرى وإن كان محدثها هو الله تعالى لزمكم ما ألزمتموه علينا، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٨٢﴾


الصفحة التالية
Icon