وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ أَنَّ (أَحَسَّ) يُسْتَعْمَلُ فِي إِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، فَفِي حَقِيقَةِ الْأَسَاسِ أَحْسَسْتُ مِنْهُ مَكْرًا، وَأَحْسَسْتُ مِنْهُ بِمَكْرٍ، وَمَا أَحْسَسْنَا مِنْهُ خَبَرًا، وَهَلْ تُحِسُّ مِنْ فُلَانٍ بِخَبَرٍ ؟ وَالْمَكْرُ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَنْبَطُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْحِسِّيَّةِ وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِهَا. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْآيَةِ :" تَحَقَّقَ كُفْرُهُمْ عِنْدَهُ تَحَقُّقَ مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ " وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى أَحَسَّ الشَّيْءَ أَدْرَكَهُ بِإِحْدَى حَوَاسِّهِ، وَأَنَّ إِطْلَاقَهُ عَلَى إِدْرَاكِ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ مَجَازٌ شُبِّهَ فِيهِ الْمَعْقُولُ بِالْمَحْسُوسِ فِي الْجَلَاءِ وَالْوُصُولِ إِلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ، عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ يُعْرَفُ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْمَحْسُوسَةِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ الْجَارَّ فِي إِلَى اللهِ مُتَعَلِّقٌ بِلَفْظِ أَنْصَارِي وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ مَادَّةَ نَصَرَ تُعَدَّى بِـ " إِلَى "، ذَلِكَ بِأَنَّ مَجْمُوعَ الْكَلَامِ هُنَا قَدْ أَشْرَبَ الْكَلِمَةَ مَعْنَى اللُّجْأِ وَالِانْضِمَامِ
لِأَنَّ النَّصْرَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِوَصْفٍ يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُسْلُوبُ كَمَا قَدَّرْنَا فِي بَيَانِ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مُحَافَظَةً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَوْضُوعَةِ.