وقال العلامة ابن عطية :
أخبر تعالى في هذه الآية أن طائفة من اليهود من أحبارهم ذهبت إلى خديعة المسلمين بهذا المنزع، قال الحسن : قالت ذلك يهود خيبر ليهود المدينة، قال قتادة وأبو مالك والسدي وغيرهم : قال بعض الأحبار لنظهر الإيمان لمحمد صدر النهار ثم لنكفر به آخر النهار، فسيقول المسلمون عند ذلك : ما بال هؤلاء كانوا معنا ثم انصرفوا عنا ؟ ما ذلك إلا لأنهم انكشفت لهم حقيقة في الأمر فيشكون، ولعلهم يرجعون عن الإيمان بمحمد عليه السلام.
قال الفقيه الإمام أبو محمد : ولما كانت الأحبار يظن بهم العلم وجودة النظر والاطلاع على الكتاب القديم، طمعوا أن تنخدع العرب بهذه النزعة ففعلوا ذلك، جاؤوا إلى النبي ﷺ بكرة، فقالوا : يا محمد أنت هو الموصوف في كتابنا، ولكن أمهلنا إلى العشي حتى ننظر في أمرنا، ثم رجعوا بالعشي، فقالوا : قد نظرنا ولست به ﴿ وجه ﴾ على هذا التأويل منصوب بقوله ﴿ آمنوا ﴾ والمعنى أظهروا الإيمان في ﴿ وجه النهار ﴾، والضمير في قوله ﴿ آخره ﴾ عائد على ﴿ النهار ﴾، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهم : نزلت الآية، لأن اليهود ذهبت إلى المكر بالمؤمنين، فصلوا مع النبي ﷺ صلاة الصبح، ثم رجعوا آخر النهار، فصلوا صلاتهم ليرى الناس أنهم بدت لهم منه ضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
قال الفقيه الإمام : وهذا القول قريب من القول الأول، وقال جماعة من المفسرين : نزلت هذه الآية في أمر القبلة، وذلك أن رسول الله ﷺ صلى صلاة الصبح إلى الشام، كما كان يصلي، ثم حولت القبلة، فصلى الظهر، وقيل العصر إلى مكة، فقالت الأحبار لتبّاعهم وللعرب : آمنوا بالذي أنزل في أول النهار واكفروا بهذه القبلة الأخيرة.


الصفحة التالية
Icon