أظهرهما : أنه فعل المر من قوله ﴿ آمِنُواْ ﴾ أي : أوْقَعُوا إيمانَكم في أول النهار، وأوقعوا كُفْرَكم في آخره.
والثاني : أنه ﴿ وَأَنْزَلَ ﴾ أي : آمنوا بالمُنَزَّل في أول النهار، وليس ذلك بظاهر، بدليل المقابلة في قوله :﴿ واكفروا آخِرَهُ ﴾. فإن الضميرَ يعودُ على النهارِ، ومن جوَّز الوجه الثاني جعل الضمير يعود على ﴿ بالذي أُنْزِلَ ﴾، أي : واكفروا آخر المنزَّل، وأسباب النزول تُخالف هذا التأويل وفي هذا البيتِ الذي أنشدناه فائدةٌ، وذلك أنه من قصيدة يرثي بها مالك بن زهير بن خُزَيْمَةَ العبسي، وبعده :[ الكامل ]
يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِراً يَنْدُبْنَهُ... يَبْكِينَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الأسْحَارِ
قَدْ كُنَّ يَخْبَأنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّراً... فَالْيَوْمَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ
يَخْمِشْنَ حرَّاتِ الْوُجُوهِ عَلَى امرئٍ... سَهْلِ الْخَلِيقَةِ طَيِّبِ الأخْبَارِ
ومعنى الأبيات يحتاج إلى معرفةِ اصطلاح العربِ في ذلك، وهو أنهم كانوا إذا قُتِلَ لهم قتيلٌ لا تقوم عليه نائحةٌ ولا تَنْدُبُه نادبةٌ، حتى يؤخذَ بثأره، فقال هذا : من سرَّه قَتْلُ مالك، فليأتِ في أول النهارِ يجدنا قد أخذْنَا بثأره، فذكر اللازم للشيء، وهو من باب الكناية.