فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم : لا تصدّقوا بأن يُؤتَى أحد مثل ما أوتيتم، أي لا إيمان لهم ولا حجة ؛ فعطف على المعنى من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمنّ والسّلْوَى وفَلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات، أي إنها لا تكون إلا فيكم فلا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم.
فالكلام فيه تقديم وتأخير على هذه القراءة واللام زائدة.
ومن استثنى ليس من الأوّل، وإلا لم يجز الكلام.
ودخلت "أَحَدٌ" لأن أوّل الكلام نفي، فدخلت في صلة "أن" لأنه مفعول الفعل المنفي ؛ فأن في موضع نصب لعدم الخافض.
وقال الخليل :( أنْ ) في موضع خفض بالخافض المحذوف.
وقيل : إن اللام ليست بزائدة، و"تُؤمِنُوا" محمول على تُقِرّوا.
وقال ابن جريج : المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
وقيل : المعنى لا تخبروا بما في كتابكم من صفة محمد ﷺ إلا لمن تبع دينكم لئلا يكون طريقاً إلى عبَدَة الأوثان إلى تصديقه.
وقال الفرّاء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله عز وجل ﴿ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ ثم قال لمحمد ﷺ ﴿ قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله ﴾.
أي إن البيان الحق هو بيان الله عز وجل ﴿ أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ ﴾ بيّن ألا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، و"لا" مقدرة بعد "أن" أي لئلا يؤتى ؛ كقوله ﴿ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ] أي لئلا تضلوا، فلذلك صلح دخول "أحد" في الكلام.
و"أو" بمعنى "حتى" و"إلا أن" ؛ كما قال امرؤ القيس :
فقلتُ له لا تَبْكِ عَيْنُك إنّما...
نحاول مُلكاً أو نموتَ فنُعذَرا
وقال آخر :
وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَنَاةَ قوم...
كسرتُ كُعُوبَها أو تستقيما


الصفحة التالية
Icon