وقال الفخر :
اعلم أن النبي ﷺ لما أورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا، ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها وقبلوا الصغار بأداء الجزية، وقد كان عليه السلام حريصاً على إيمانهم، فكأنه تعالى قال : يا محمد اترك ذلك المنهج من الكلام واعدل إلى منهج آخر يشهد كل عقل سليم وطبع مستقيم أنه كلام مبني على الإنصاف وترك الجدال، و﴿قُلْ يا أهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ أي هلموا إلى كلمة فيها إنصاف من بعضنا لبعض، ولا ميل فيه لأحد على صاحبه، وهي ﴿أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً﴾ هذا هو المراد من الكلام. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٧٦﴾
وقال ابن عاشور :
قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [٦٤].
رجوع إلى المجادلة، بعد انقطاعها بالدعاء إلى المباهلة، بعث عليه الحرص على إيمانهم، وإشارة إلى شيء من زيغ أهل الكتابين عن حقيقة إسلام الوجه لله كما تقدم بيانه.
وقد جيء في هذه المجادلة بحجة لا يجدون عنها موئلا وهي دعوتهم إلى تخصيص الله بالعبادة ونبذ عقيدة إشراك غيره في الإلهية.
فجملة ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ بمنزلة التأكيد لجملة ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا﴾ [آل عمران : ٦١] لأن مدلول الأولى احتجاج عليهم بضعف ثقتهم بأحقية اعتقادهم، ومدلول هذه احتجاج عليهم بصحة عقيدة الإسلام، ولذلك لم تعطف هذه الجملة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١١٦﴾


الصفحة التالية
Icon