ولما كان ذلك قد يكون تجوزاً عن قبول قوله والمبادرة لامتثال أمره عن الله سبحانه وتعالى احتراز عنه بقوله :﴿من دون الله﴾ أي المختص بجميع صفات الكمال إذ لا يشك عاقل أن من أوتي نبوة وحكمة - وهو بشر - في غاية البعد عن ادعاء مثل ذلك، لأن كل صفة من صفاته - لا سيما تغير بشرته الدالة على انفعالاته - مستقلة بالإبعاد عن هذه الدعوى، فلم يبق لهم مستند، لا من جهة عقل ولا من طريق نقل، فصار قول مثل ذلك منافياً للحكمة التي هو متلبس بها، فصح قطعاً انتقاؤه عنه.
ولما ذكر ما لا يكون له أتبعه ما له فقال :﴿ولكن﴾ أي يقول ﴿كونوا ربانيين﴾ أي تابعين طريق الرب منسوبين إليه بكمال العلم المزين بالعمل، والألف والنون زيدتا للإيذان بمبالغتهم في المتابعة ورسوخهم في العلم اللدني، فإن الرباني هو الشديد التمسك بدين الله سبحانه وتعالى وطاعته، قال محمد بن الحنفية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما مات : مات رباني هذه الأمة :﴿بما كنتم تعلمون الكتاب﴾ أي بسبب كونكم عالمين به معلمين له ﴿وبما كنتم تدرسون﴾ فإن فائدة الدرس العلم، وفائدة العلم العمل، ومنه الحث على الخير والمراقبة للخالق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١١٧ ـ ١١٨﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بيّن أن عادة علماء أهل الكتاب التحريف والتبديل أتبعه بما يدل على أن من جملة ما حرّفوه ما زعموا أن عيسى عليه السلام كان يدعي الإلهية، وأنه كان يأمر قومه بعبادته فلهذا قال :﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ الآية. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٩٦﴾
فصل في سبب نزول الآية
قال الفخر :
في سبب نزول هذه الآية وجوه
الأول : قال ابن عباس : لما قالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى : المسيح ابن الله نزلت هذه الآية