( ما ) في القراءتين، هي التي بمعنى المصدر مع الفعل، والتقدير : كونوا ربانيين بسبب كونكم عالمين ومعلمين وبسبب دراستكم الكتاب، ومثل هذا من كون ( ما ) مع الفعل بمعنى المصدر قوله تعالى :﴿فاليوم ننساهم كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا﴾ [ الأعراف : ٥١ ] وحاصل الكلام أن العلم والتعليم والدراسة توجب على صاحبها كونه ربانياً والسبب لا محالة مغاير للمسبب، فهذا يقتضي أن يكون كونه ربانياً، أمراً مغايراً لكونه عالماً، ومعلماً، ومواظباً على الدراسة، وما ذاك إلا أن يكون بحيث يكون تعلمه لله، وتعليمه ودراسته لله، وبالجملة أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضاة الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله، وإذا ثبت أن الرسول يأمر جميع الخلق بهذا المعنى ثبت أنه يمتنع منه أن يأمر الخلق بعبادته، وحاصل الحرف شيء واحد، وهو أن الرسول هو الذي يكون منتهى جهده وجده صرف الأرواح والقلوب عن الخلق إلى الحق، فمثل هذا الإنسان كيف يمكن أن يصرف عقول الخلق عن طاعة الحق إلى طاعة نفسه.
وعند هذا يظهر أنه يمتنع في أحد من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يأمر غيره بعبادته. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٩٩﴾