وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم " يُؤَدِّهْ " بسكون الهاء في الحرفين.
وقرأ قالون " يُؤَدِّهِ " بكسر الهاء من دون صلة، والباقون بكسرها موصولة بياء، وعن هشام وجهان :
أحدهما : كقالون، والآخر كالجماعة.
أما قراءة أبي عمرو ومن معه فقد خرَّجوها على أوجه، أحسنها أنه سكنت هاء الضمير، إجراءً للوصْل مجرى الوقف وهو باب واسع مضى منه شيء - نحو :﴿ يَتَسَنَّهْ ﴾ [ البقرة : ٢٥٩ ] و﴿ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ] وسيأتي منه أشياء إن شاء الله تعالى.
وأنشد ابنُ مجاهد على ذلك :[ البسيط ]
وأشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ... إلاَّ لأنَّ عُيُونَهْ سَيْلُ وَادِيهَا
وأنشد الأخفش :[ الطويل ]
فَبتُّ لَدَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أخِيلُهُ... وَمِطْوايَ مُشْتَاقَانِ لَهْ أرقَان
إلا أن هذا يخصُّه بعضهم بضرورة الشعر، وليس كما قال، لما سيأتي.
وقد طعن بعضهم على هذه القراءةِ، فقال الزَّجَّاجُ : هذا الإسكان الذي رُوِيَ عن هؤلاء غلط بَيِّنٌ ؛ وأن الفاء لا ينبغي أن تُجْزَم، وإذا لم تُجْزَم فلا تسكن في الوصل، وأما أبو عمرو فأُراه كان يختلس الكسرة، فغلط عليه كما غلط عليه في " باريكم ". وقد حكى عنه سيبويه - وهو ضابط لمثل هذا - أنه كان يكسر كسراً خفياً، يعني يكسر في ﴿ بَارِئِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٥٤ ] كسراً خفيًّا، فظنه الراوي سكوناً.
قال شهابُ الدينِ : وهذا الرد من الزجَّاج ليس بشيءٍ لوجوه :
منها : أنه فَرَّ من السكون إلى الاختلاس، والذي نصَّ على أن السكون لا يجوز نص على أنَّ الاختلاس - أيضا - لا يجوز إلا في ضرورة، بل جعل الإسكان في الضرورة أحسن منه في الاختلاس، قال : ليُجْرَى الوصلُ مجرى الوقف إجراء كاملاً، وجعل قوله :[ البسيط ]