الأجنبيَّ تُطالِب، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئة" وجاء في "الإصحاح" ٢٣ منه :"لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام وللأجنبي تُقرض بربا" ولكن شَتان بين الحقوق وبين المؤاساة فإنّ تحريم الربا إنما كان لقصد المؤاساة، والمؤاساة غير مفروضة مع غير أهل الملّة الواحدة.
وعن ابن الكلبي قالت اليهود : الأموال كلّها كانت لنا، فما في أيدي العرب منها فهو لنا، وإنهم ظلمونا وغصَبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم.
وهذا الخلقان الذميمان اللذان حكاهما الله عن اليهود قد اتصف بهما كثير من المسلمين، فاستحلّ بعضهم حقوق أهل الذمة، وتأوّلوها بأنهم صاروا أهل حرب، في حين لا حرب ولا ضرب.
وقد كذّبهم الله تعالى في هذا الزعم فقال :﴿ ويقولون على الله الكذب ﴾ قال المفسرون : إنهم ادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم.
وروى عن سعيد بن جبير أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه ﴾ إلى قوله ﴿ وهم يعلمون ﴾ قال النبي ﷺ "كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلاّ وهو تحت قدميّ هاتين إلاّ الأمانة فإنها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر.
وقوله وهم يعلمون حال أي يعتمدون الكذب : إما لأنهم علموا أنّ ما قاسوه على ما في كتابهم ليس القياس فيه بصحيح، وإما لأنّ التأويل الباطل بمنزلة العلم بالكذب، إذ الشبهة الضعيفة كالعهد. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٣١ ـ ١٣٥﴾
فصل
قال القرطبى :
الأمانة عظيمة القَدْر في الدِّين، ومن عِظم قدرها أنها تقوم هي والرَّحِم على جَنَبَتَي الصراط ؛ كما في صحيح مسلم.
فلا يُمَكّن من الجواز إلا من حفظهما.
وروى مسلم عن حذيفة قال حدّثنا النبيّ ﷺ عن رفع الأمانة، قال :" ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه " الحديث.
وقد تقدم بكماله أوّل البقرة.