وأما الثالث : وهو قوله تعالى :﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ فالمراد إنه لا ينظر إليهم بالإحسان، يقال فلان لا ينظر إلى فلان، والمراد به نفي الاعتداد به وترك الإحسان إليه، والسبب لهذا المجاز أن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاد نظره إليه مرة بعد أخرى، فهلذا السبب صار نظر الله عبارة عن الاعتداد والإحسان، وإن لم يكن ثم نظر، ولا يجوز أن يكون المراد من هذا النظر الرؤية، لأنه تعالى يراهم كما يرى غيرهم، ولا يجوز أن يكون المراد من النظر تقليب الحدقة إلى جانب المرئي التماساً لرؤيته لأن هذا من صفات الأجسام، وتعالى إلهنا عن أن يكون جسماً، وقد احتج المخالف بهذه الآية على أن النظر المقرون بحرف ( إلى ) ليس للرؤية وإلا لزم في هذه الآية أن لا يكون الله تعالى رائياً لهم وذلك باطل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٩٣﴾
قوله تعالى ﴿وَلاَ يُزَكّيهِمْ﴾
قال الفخر :
وأما الرابع : وهو قوله ﴿وَلاَ يُزَكّيهِمْ﴾ ففيه وجوه الأول : أن لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة بل يعاقبهم عليها والثاني : لا يزكيهم أي لا يثني عليهم كما يثني على أوليائه الأزكياء والتزكية من المزكى للشاهد مدح منه له.
واعلم أن تزكية الله عباده قد تكون على ألسنة الملائكة كما قال :﴿والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ] وقال :﴿وتتلقاهم الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الذى كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِى الحياة الدنيا وَفِى الأخرة﴾ [ فصلت : ٢١ ] وقد تكون بغير واسطة، أما في الدنيا فكقوله ﴿التائبون العابدون﴾ [ التوبة : ١١٢ ] وأما في الآخرة فكقوله ﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾ [ يس : ٥٨ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٩٣﴾


الصفحة التالية
Icon