اعلم أن هذه الآية تدل على أن الآية المتقدمة نازلة في اليهود بلا شك لأن هذه الآية نازلة في حق اليهود وهي معطوفة على ما قبلها فهذا يقتضي كون تلك الآية المتقدمة نازلة في اليهود أيضاً واعلم أن ﴿اللي﴾ عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج، يقال : لويت يده، والتوى الشيء إذا انحرف والتوى فلان علي إذا غير أخلاقه عن الاستواء إلى ضده، ولوى لسانه عن كذا إذا غيره، ولوى فلاناً عن رأيه إذا أماله عنه، وفي الحديث :" لي الواجد ظلم " وقال تعالى :﴿وراعنا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِى الدين﴾ [ النساء : ٤٦ ].
إذا عرفت هذا الأصل ففي تأويل الآية وجوه الأول : قال القفال رحمه الله قوله ﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم﴾ معناه وأن يعمدوا إلى اللفظة فيحرفونها في حركات الإعراب تحريفاً يتغير به المعنى، وهذا كثير في لسان العرب فلا يبعد مثله في العبرانية، فلما فعلوا مثل ذلك في الآيات الدالة على نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام من التوراة كان ذلك هو المراد من قوله تعالى :﴿يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم﴾ وهذا تأويل في غاية الحسن الثاني : نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن النفر الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم كتبوا كتاباً شوشوا فيه نعت محمد ﷺ وخلطوه بالكتاب الذي كان فيه نعت محمد ﷺ ثم قالوا ﴿هذا مِنْ عِندِ الله ﴾.
إذا عرفت هذا فنقول : إن لي اللسان تثنيه بالتشدق والتنطع والتكلف وذلك مذموم فعبّر الله تعالى عن قراءتهم لذلك الكتاب الباطل بلى اللسان ذماً لهم وعيباً ولم يعبر عنها بالقراءة، والعرب تفرق بين ألفاظ المدح والذم في الشيء الواحد، فيقولون في المدح : خطيب مصقع، وفي الذم : مكثار ثرثار.


الصفحة التالية
Icon