﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب ﴾ أي لتظنوا أيها المسلمون أن المحرف المدلول عليه باللي أو المشابه من كتاب الله تعالى المنزل على بعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وقرىء ( ليحسبوه ) بالياء والضمير أيضاً للمسلمين. ﴿ وَمَا هُوَ مِنَ الكتاب ﴾ ولكنه من قبل أنفسهم ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ أي ويزعمون صريحاً غير مكتفين بالتورية والتعريض أن المحرف أو المشابه نازل من عند الله ﴿ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله ﴾ أي وليس هو نازلاً من عند الله تعالى، والواو للحال والجملة حال من ضمير المبتدأ في الخبر، وفي جملة ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ الخ تأكيد للنفي الذي قبلها وليس الغرض التأكيد فقط وإلا لما توجه العطف بل التشنيع أيضاً بأنهم لم يكتفوا بذلك التعريض حتى ارتكبوا هذا التصريح وبهذا حصلت المغايرة المقتضية للعطف، والإظهار في موضع الإضمار لتهويل ما قدموا عليه، واستدل الجبائي والكعبي بالآية على أن فعل العبد ليس بخلق الله تعالى وإلا صدق أولئك المحرفون بقولهم ﴿ هُوَ مِنْ عِندِ الله ﴾ تعالى لكن الله وردّ بأن القوم ما ادعوا أن التحريف من عند الله وبخلقه وإنما ادعوا أن المحرف منزل من عند الله، أو حكم من أحكامه فتوجه تكذيب الله تعالى إياهم إلى هذا الذي زعموا.
والحاصل أن المقصود بالنفي كما أشرنا إليه نزوله من عنده سبحانه وهو أخص من كونه من فعله وخلقه، ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام فلا يدل على مذهب المعتزلة القائلين بأن أفعال العباد مخلوقة لهم لا لله تعالى :


الصفحة التالية
Icon