وقد نص تعالى في القرآن على ما يقتضي إخفاءهم لكثير من التوراة، قال تعالى :﴿ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً ﴾ وقال تعالى ﴿ يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ﴾ فدلت هاتان الآيتان على أن الذي أخفوه من الكتاب كثير، ودل بمفهوم الصفة أن الذي أبدوه من الكتاب قليل. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٥٢٧﴾
فائدة
قال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾ إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ فِعْلِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ لَكَانَتْ مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ نَفْيًا عَامًّا كَوْنَ الْمَعَاصِي مِنْ عِنْدِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ لَكَانَتْ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ آكَدِ الْوُجُوهِ، فَكَانَ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ النَّفْيِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِيمَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، كَذَلِكَ الْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي.
قِيلَ لَهُ : لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّفْيِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إطْلَاقُ الْإِثْبَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت :" مَا عِنْدَ زَيْدٍ طَعَامٌ " كَانَ نَفْيًا لِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَلَوْ قُلْت :" عِنْدَهُ طَعَامٌ " مَا كَانَ عُمُومًا فِي كَوْنِ جَمِيعِ الطَّعَامِ عِنْدَهُ ؟. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ٣٠٠﴾