اعلم أنه تعالى لما قال في آخر الآية المتقدمة ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [ آل عمران : ٨٤ ] أتبعه بأن بيّن في هذه الآية أن الدين ليس إلا الإسلام، وأن كل دين سوى الإسلام فإنه غير مقبول عند الله، لأن القبول للعمل هو أن يرضى الله ذلك العمل، ويرضى عن فاعله ويثيبه عليه، ولذلك قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين﴾ [ المائدة : ٢٧ ] ثم بيّن تعالى أن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لا يكون مقبولاً عند الله، فكذلك يكون من الخاسرين، والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب، وحصول العقاب، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل واعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الإيمان هو الإسلام إذ لو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان مقبولاً لقوله تعالى :﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ إلا أن ظاهر قوله تعالى :﴿قَالَتِ الأعراب ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا﴾ [ الحجرات : ١٤ ] يقتضي كون الإسلام مغايراً للإيمان ووجه التوفيق بينهما أن تحمل الآية الأولى على العرف الشرعي، والآية الثانية على الوضع اللغوي. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١١٠﴾
فصل فى نزول الآية
قال القرطبى :
قال مجاهد والسُّدِّي : نزلت هذه الآية في الحارث بن سُويد أخو الجُلاَس بن سويد، وكان من الأنصار، ارتد عن الإسلام هو واثنا عشر معه ولحقوا بمكة كفاراً، فنزلت هذه الآية، ثم أرسل إلى أخيه يطلب التوبة.
ورُوي ذلك عن ابن عباس وغيره.
قال ابن عباس : وأسلم بعد نزول الآيات. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٤ صـ ١٢٨﴾