الوجه الثاني : وهو قول أبي علي وغيره : أن تكون اللام - في " لَمَا " - جواب قوله :﴿ مِيثَاقَ النبيين ﴾ لأنه جارٍ مَجْرَى القسم، فهي بمنزلة قولك : لزيدٌ أفضل من عمرو، فهي لام الابتداء المتلَقَّى بها القسم وتسمى اللام المتلقية للقسم. و" ما " مبتدأة موصولة و" آتيتكم " صلتها، والعائد محذوف، تقديره : آتيناكموه فحذف لاستكمال شرطه. و﴿ مِّن كِتَابٍ ﴾ حال - إما من الموصول، وإما من عائده - وقوله :﴿ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ ﴾ عطف على الصلة، وحينئذٍ فلا بد من رابط يربط هذه الجملةَ بما قبلها ؛ فإن المعطوفَ على الصلة صِلة.
واختلفوا في ذلك، فذهب بعضهم إلى أنه محذوف، تقديره : جاءكم رسول به، فحذف " به " لطول الكلام ودلالة المعنى عليه. وهذا لا يجوز ؛ لأنه متى جُرَّ العائدُ لم يُحْذَف إلا بشروط، وهي مفقودةٌ هنا، [ وزعم هؤلاء أن هذا مذهب سيبويه، وفيه ما قد عرفت، ومنهم من ] قال : الربط حصل - هنا - بالظاهر، لأن الظاهر - وهو قوله " لما معكم " صادق على قوله :" لما آتيناكم " فهو نظير : أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، والحجاج الذي رأيت أبو يوسف.
وقال :[ الطويل ]
فَيَا رَبَّ لَيْلَى أنْتَ في كُلِّ مَوْطِنٍ... وَأنْتَ الَّذِي فِي رَحْمةِ اللهِ أطْمَعُ
يريد رويت عنه، ورأيته، وفي رحمته. فأقام الظاهر مقام المضمر، وقد وقع ذلك في المبتدأ والخبر، نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾ [ الكهف : ٣٠ ] ولم يقل : إنا لا نضيع، وقال تعالى :﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين ﴾ [ يوسف : ٩٠ ] ولم يقل : لا يضيع أجره وهذا رأي أبي الحسن والأخفش. وقد تقدم البحث فيه.


الصفحة التالية
Icon