الثاني : أنها في محل نصب على الحال من واو " كَفَرُوا " فالعامل فيها الرافع لصاحبها، و" قد " مضمرة معها على رأي - أي كفروا وقد شهدوا، وإليه ذهب جماعةٌ كالزمخشريِّ، وأبي البقاء وغيرهما.
قال أبو البقاء :" ولا يجوز أن يكون العامل " يَهْدِي " ؛ لأنه يهدي من شَهِدَ أن الرسولَ حق ".
يعني أنه لا يجوز أن يكون حالاً من " قَوْماً " والعاملُ في الحالِ " يَهْدِي " لما ذكر من فساد المعنى.
الثالث : أن يكون معطوفاً على " إيمَانِهِمْ " لما تضمَّنه من الانحلال لجملة فعلية ؛ إذ التقدير : بعد أن آمنوا وشهدوا، وإلى هذا ذهب جماعة.
قال الزمخشريُّ : أن يُعْطَف على ما في " إيمانهم " من معنى الفعل ؛ لأن معناه : بعد أن آمنوا، كقوله :﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن﴾ [ المنافقون : ١٠ ] وقول الشاعر :[ الطويل ]
مَشَائِيمُ لَيْسُوا مُصْلِحِينَ عَشِيرَةً... وَلاَ نَاعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرَابُهَا
وجه تنظيره ذلك بالآية والبيت يوهم ما يسوِّغ العطف عليه في الجملة، كذا يقول النحاة : جزم على التوهم أي لسقوط الفاء ؛ إذْ لو سقطت لانجزم في جواب التحضيض، ولذا يقولون : توهَّم وجودَ الباء فَجَرَّ.
وفي العبارة - بالنسبة إلى القرآن - سوء أدبٍ، ولكنهم لم يقصدوا ذلك.
وكان تنظير الزمخشري بغير ذلك أولى، كقوله :﴿إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضاً حَسَنا﴾ [ الحديد : ١٨ ].
إذ هو في قوة : إن الذين تصدقوا وأقرضوا.
وقال الواحدي :" عطف الفعل على المصدر ؛ لأنه أرادَ بالمصدر الفعلَ، تقديره : كفروا بالله بعد أن آمنوا، فهو عطف على المعنى، كقوله :[ الوافر ]
لَلُبْسُ عَبَاءةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي... أحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
معناه : لأن ألبس عباءةً وتقرَّ عيني ".