الأول : وهو اختيار ابن جرير ونقله عن رفيع بن العالية أن المعنى : إنّ الذين كفروا من اليهود بمحمد ﷺ بعد إيمانهم به قبل مبعثه ثم ازداوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها في كفرهم، ويدل على هذا الوجه قوله تعالى :﴿وأولئك هم الضالون﴾ ؛ لأنه يدل على أن توبتهم مع بقائهم على ارتكاب الضلال وعدم قبولها حينئذ ظاهر.
الثاني : وهو أقربها عندي أن قوله تعالى :﴿لن تقبل توبتهم﴾ يعني إذا تابوا عند حضور الموت، ويدل لهذا الوجه أمران :
الأول : أنّه تعالى بيّن في مواضع أخرى أنّ الكافر الذي لا تقبل توبته هو الذي يصر على الكفر حتى يحضره الموت في ذلك الوقت كقوله تعالى :﴿وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال : إني تبت الآن، ولا الذين يموتون وهم كفار﴾، فجعل التائب عند حضور الموت والميت على كفره سواء، وقوله تعالى :﴿فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا﴾ الآية، وقوله في فرعون :﴿الآن وقد عصَيْتَ قبلُ وكنت من المفسدين﴾. فالإطلاق الذي في هذه الآية يقيّد بقيد تأخير التوبة إلى حضور الموت لوجوب حمل المطلق على المقيد كما تقرر في الأصول.
الثاني : أنه تعالى أشار إلى ذلك بقوله :﴿ثم ازدادوا كفرا﴾ فإنه يدل على عدم توبتهم في وقت نفعها، ونقل ابن جرير هذا الوجه الثاني - الذي هو التقيد بحضور الموت - عن الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي.
الثالث : أن المعنى ﴿لن تقبل توبتهم﴾ أي إيمانهم الأول لبطلانه بالردة بعد، وهذا القول خرجه ابن جرير عن ابن جريج، ولا يخفى ضعف هذا القول وبعده عن ظاهر القرآن.