وقوله :﴿فإن الله به عليم﴾ مراد به صريحه أي يطّلع على مقدار وقعه ممَّا رغَّب فيه، ومرَاد به الكناية عن الجزاء عليه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٥٢ ـ ١٥٥﴾. بتصرف يسير.
وقال العلامة ابن عطية :
ذهب بعض الناس إلى أن يصل معاني هذه الآيات بعضها ببعض، من حيث أخبر تعالى : أنه لا يقبل من الموافي على الكفر ﴿ملء الأرض ذهباً﴾ [ آل عمران : ٩١ ] وقد بان أنه يقبل من المؤمن القليل والكثير، فحض على الإنفاق من المحبوب المرغوب فيه، ثم ذكر تقرب إسرائيل عليه السلام، بتحريم ما كان يحب على نفسه، ليدل تعالى على أن جميع التقربات تدخل بالمعنى في جملة الإنفاق من المحبوب، وفسر جمهور المفسرين هذه الآيات، على أنها معان منحازة، نظمتها الفصاحة المعجزة أجمل نظم، وقوله تعالى ﴿لن تنالوا﴾ الآية، خطاب لجميع المؤمنين، وقال السدي وعمر بن ميمون :﴿البر﴾ الجنة.
قال الفقيه الإمام : وهذا تفسير بالمعنى، وإنما الخاص باللفظة أنه ما يفعله البر من افاعيل الخير، فتحتمل الآية أن يريد : لن تنالو بر الله تعالى بكم، أي رحمته ولطفه، ويحتمل أن يريد : لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبراراً، إلا بالإنفاق المنضاف إلى سائر أعمالكم، وبسبب نزول هذه الآية، تصدق أبو طلحة بحائطه، المسمى بيرحاء، وتصدق زيد بن حارثة بفرس كان يحبها، فأعطاها رسول الله ﷺ أسامة ابنه، فكأن زيداً شق عليه فقال له النبي : أما إن الله قد قبل صدقتك، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية من سبي جلولاء وقت فتح مدائن كسرى علي يدي سعيد بن أبي وقاص فسيقت إليه وأحبها فدعا بها يوماً وقال : إن الله يقول ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون﴾، فأعتقها.


الصفحة التالية
Icon