فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ هُوَ جَوَابٌ عَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : وَلَكِنَّ الْجَلَالَ وَكَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ يُقَرِّرُونَ الشُّبْهَةَ وَلَا يُبَيِّنُونَ وَجْهَ دَفْعِهَا بَيَانًا مُقْنِعًا، إِذْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَالصَّوَابُ مَا قَصَّهُ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تُوَضِّحُهَا، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الطَّعَامِ كَانَ حَلَالًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِإِبْرَاهِيمَ مِنْ قَبْلُ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بَعْضَ الطَّيِّبَاتِ فِي التَّوْرَاةِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَتَأْدِيبًا، كَمَا قَالَ : فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [٤ : ١٦٠] الْآيَةَ. فَالْمُرَادُ بِإِسْرَائِيلَ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ، كَمَا هُوَ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَهُمْ، لَا يَعْقُوبُ نَفْسُهُ. وَمَعْنَى تَحْرِيمِ الشَّعْبِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ : أَنَّهُ ارْتَكَبَ الظُّلْمَ وَاجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ التَّحْرِيمِ، كَمَا صَرَّحَتِ الْآيَةُ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ : إِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْأَطْعِمَةِ الْحِلَّ، وَكَانَ تَحْرِيمُ مَا حَرُمَ عَلَى إِسْرَائِيلَ تَأْدِيبًا عَلَى جَرَائِمَ أَصَابُوهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ وَأُمَّتُهُ لَمْ يَجْتَرِحُوا تِلْكَ السَّيِّئَاتِ، فَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِمُ الطَّيِّبَاتُ ؟ ثُمَّ قَالَ مُبَيِّنًا تَقْرِيرَ الدَّفْعِ وَسَنَدَهُ : قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنَّ كُنْتُمْ