فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْبَيَانِ وَإِلْزَامِ الْكَاذِبِينَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَالْأَنْبِيَاءِ بِالتَّوْرَاةِ، وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِتْيَانِ بِهَا وَتِلَاوَتِهَا عَلَى الْمَلَأِ، وَامْتِنَاعِهِمْ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَظْهَرَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ قَبْلَ التَّوْرَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ حَتَّى يَرِدَ النَّصُّ بِالتَّحْرِيمِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بِتَحْوِيلِهِمُ الْحَقَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهِ، وَوَضْعِ حُكْمِ اللهِ بِتَحْرِيمِ بَعْضِ الطَّيِّبَاتِ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
قُلْ صَدَقَ اللهُ فِيمَا أَنْبَأَنِي بِهِ مِنْ عَدَمِ تَحْرِيمِ شَيْءٍ عَلَى إِسْرَائِيلَ قَبْلَ التَّوْرَاةِ، وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّنِي مُبَلِّغٌ عَنْهُ، إِذْ مَا كَانَ لِي لَوْلَا وَحْيُهُ أَنْ أَعْرِفَ صِدْقَكُمْ مِنْ كَذِبِكُمْ فِيمَا تُحَدِّثُونَ بِهِ عَنْ أَنْبِيَائِكُمْ، وَإِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهَا حَالَ كَوْنِهِ حَنِيفًا لَا غُلُوَّ فِيمَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْصِيرَ، وَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، بَلْ هُوَ الْفِطْرَةُ الْقَوِيمَةُ وَالْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ
الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَإِسْلَامِ الْوَجْهِ لَهُ وَحْدَهُ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْخَيْرَ مِنْ غَيْرِهِ - تَعَالَى -، أَوْ يَخَافُونَ الضُّرَّ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِهِ الَّتِي مَضَتْ بِهَا سُنَّتُهُ. أ هـ ﴿تفسير المنار حـ ٤ صـ ٣ ـ ٦﴾


الصفحة التالية
Icon