وذلك نسخهم لما شرعه من حجة من عند أنفسهم تحريفاً منهم مثالاً لما قدم من الإخبار به عن كذبهم، وهذا أمر شهير يسجل عليهم بالمخالفة ويثبت للمؤمنين المؤالفة، فإن حج البيت الحرام وتعظيمه من أعظم ما شرعه إبراهيم عليه الصلاة والسلام - كما هو مبين في السير وغيرها وهم عالمون بذلك، وقد حجه أنبياؤهم عليهم الصلاة والسلام وأسلافهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم - كما روي من غير طريق عن النبي ﷺ حتى أن في بعض الطرق أنه كان مع موسى عليه الصلاة في حجة إليه سبعون ألفاً من بني إسرائيل، ومن المحال عادة أن يخفى ذلك عليهم، ومن الأمر الواضح أنهم قد تركوا هذه الشريعة العظيمة أصلاً ورأساً، فكيف يصح لهم دعوى أنهم على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع انسلاخهم من معظم شرائعه! ثم فسر الهدى بقوله :﴿فيه آيات بينات﴾ وقوله :﴿مقام إبراهيم﴾ أي أثر قدمه عليه الصلاة والسلام في الحجر حيث قام لتغسل كنته رأسه الشريف - أعربه أبو حيان بدلاً أو عطف بيان من الموصول الذي هو خبر ﴿إن﴾ في قوله :﴿للذي ببكة﴾ فكأنه قيل : إن أول بيت وضع للناس لمقام إبراهيم، وأعربه غيره بدل بعض من قوله ﴿آيات﴾ وهو وحده آيات لعظمه ولتعدد ما فيه من تأثير القدم، وحفظه إلى هذا الزمان مع كونه منقولاً، وتذكيره بجميع قضايا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام.
ولما كان أمن أهله في بلاد النهب والغارات التي ليس بها حاكم يفزع إليه ولا رئيس يعول في ذلك عليه من أدل الآيات قال سبحانه وتعالى :﴿ومن دخله﴾ أي فضلاً عن أهله ﴿كان آمناً﴾ أي عريقاً في الأمن، أو فأمنوه بأمان الله، وتحويل العبارة عن " وأمن داخله " لأن هذا أدل على المراد من تمكن الأمن، وفيه بشارة بدخول الجنة.