إذا عرفت هذا فنقول : إن قوله تعالى :﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ لا يدل على أنه أول بيت خلقه الله تعالى، ولا أنه أول بيت ظهر في الأرض، بل ظاهر الآية يدل على أنه أول بيت وضع للناس، وكونه موضوعاً للناس يقتضي كونه مشتركاً فيه بين جميع الناس، فأما سائر البيوت فيكون كل واحد منها مختصاً بواحد من الناس فلا يكون شيء من البيوت موضوعاً للناس، وكون البيت مشتركاً فيه بين كل الناس، لا يحصل إلا إذا كان البيت موضوعاً للطاعات والعبادات وقبلة للخلق، فدل قوله تعالى :﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ على أن هذا البيت وضعه الله موضعاً للطاعات والخيرات والعبادات فيدخل فيه كون هذا البيت قبلة للصلوات، وموضعاً للحج، ومكانا يزداد ثواب العبادات والطاعات فيه.
فإن قيل : كونه أولاً في هذا الوصف يقتضي أن يكون له ثان، وهذا يقتضي أن يكون بيت المقدس يشاركه في هذه الصفات التي منها وجوب حجه، ومعلوم أنه ليس كذلك.
والجواب : من وجهين
الأول : أن لفظ الأول : في اللغة اسم للشيء الذي يوجد ابتداء، سواء حصل عقيبه شيء آخر أو لم يحصل، يقال : هذا أول قدومي مكة، وهذا أول مال أصبته ولو قال : أول عبد ملكته فهو حر فملك عبداً عتق وإن لم يملك بعده عبداً آخر، فكذا هنا،


الصفحة التالية
Icon