واعلم أن دلالة الآية على الأولية في الفضل والشرف أمر لا بد منه، لأن المقصود الأصلي من ذكر هذه الأولية بيان الفضيلة، لأن المقصود ترجيحه على بيت المقدس، وهذا إنما يتم بالأولية في الفضيلة والشرف، ولا تأثير للأولية في البناء في هذا المقصود، إلا أن ثبوت الأولية بسبب الفضيلة لا ينافي ثبوت الأولية في البناء، وقد دللنا على ثبوت هذا المعنى أيضاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٢٥ ـ ١٢٧﴾
وقال الآلوسى :
المراد بالأولية الأولية بحسب الزمان، وقيل : بحسب الشرف (١)، ويؤيد الأول : ما أخرجه الشيخان عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : سئل رسول الله ﷺ عن أول بيت وضع للناس فقال :" المسجد الحرام ثم بيت المقدس فقيل : كم بينهما ؟ فقال : أربعون سنة " واستشكل ذلك بأن باني المسجد الحرام إبراهيم عليه السلام وباني الأقصى داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، ورفع قبته ثمانية عشر ميلاً وبين بناء إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها.
وأجيب بأن الوضع غير البناء والسؤال عن مدة ما بين وضعيهما لا عن مدة ما بين بناءيهما فيحتمل أن واضع الأقصى بعض الأنبياء قبل داود وابنه عليهما السلام ثم بنياه بعد ذلك، ولا بد من هذا التأويل قاله الطحاوي وأجاب بعضهم على تقدير أن يراد من الوضع البناء بأن باني المسجد الحرام والمسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام وأنه بنى الأقصى بعد أربعين سنة من بنائه المسجد الحرام وادعى فهم ذلك من الحديث فتدبر.
(١) الأولية فى الشرف أسمى من الأولية فى الزمان فإبليس عليه لعنة الله خلق قبل آدم ـ عليه السلام ـ بآلاف السنين وشتان بين أشقى الأشقياء وبين أسعد السعداء. والله أعلم.