وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حذر المؤمنين من إضلال الكفار ومن تلبيساتهم في الآية الأولى أمر المؤمنين في هذه الآيات بمجامع الطاعات، ومعاقد الخيرات، فأمرهم أولاً : بتقوى الله وهو قوله ﴿اتقوا الله﴾ وثانياً : بالاعتصام بحبل الله، وهو قوله ﴿واعتصموا بِحَبْلِ الله﴾ وثالثاً : بذكر نعم الله وهو قوله ﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ والسبب في هذا الترتيب أن فعل الإنسان لا بد وأن يكون معللاً، إما بالرهبة وإما بالرغبة، والرهبة مقدمة على الرغبة، لأن دفع الضرر مقدم على جلب النفع، فقوله ﴿اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ إشارة إلى التخويف من عقاب الله تعالى، ثم جعله سبباً للأمر بالتمسك بدين الله والاعتصام بحبل الله، ثم أردفه بالرغبة، وهي قوله ﴿واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ فكأنه قال : خوف عقاب الله يوجب ذلك، وكثرة نعم الله توجب ذلك فلم تبق جهة من الجهات الموجبة للفعل إلا وهي حاصلة في وجوب انقيادكم لأمر الله ووجوب طاعتكم لحكم الله، فظهر بما ذكرناه أن الأمور الثلاثة المذكورة في هذه الآية مرتبة على أحسن الوجوه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤٠ ـ ١٤١﴾
وقال ابن عاشور :
انتقل مِن تحذير المخاطبين من الانخداع لوساوس بعض أهل الكتاب، إلى تحريضهم على تمام التَّقوى، لأنّ في ذلك زيادة صلاح لهم ورسوخاً لإيمانهم، وهو خطاب لأصحاب محمَّد ﷺ ويَسري إلى جميع من يكون بعدهم.
وهذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية.
والتَّقوى تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى :﴿هدى للمتقين﴾.
وحاصلها امتثال الأمر، واجتناب المنهي عنه، في الأعمال الظَّاهرة، والنَّوايا الباطنة.


الصفحة التالية
Icon