قال بعضهم هذه الآية منسوخة وذلك لما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين لأن حق تقاته : أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، والعباد لا طاقة لهم بذلك، فأنزل الله تعالى بعد هذه ﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ ونسخت هذه الآية أولها ولم ينسخ آخرها وهو قوله ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ وزعم جمهور المحققين أن القول بهذا النسخ باطل واحتجوا عليه من وجوه الأول : ما روي عن معاذ أنه عليه السلام قال له :" هل تدري ما حق الله على العباد ؟ قال الله ورسوله أعلم، قال : هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " وهذا لا يجوز أن ينسخ الثاني : أن معنى قوله ﴿اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ أي كما يحق أن يتقى، وذلك بأن يجتنب جميع معاصيه، ومثل هذا لا يجوز أن ينسخ لأنه إباحة لبعض المعاصي، وإذا كان كذلك صار معنى هذا ومعنى قوله تعالى :﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ [ التغابن : ١٦ ] واحداً لأن من اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ ما لا يستطاع من التقوى، لأن الله سبحانه أخبر أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها والوسع دون الطاقة ونظير هذه الآية قوله ﴿وجاهدوا فِى الله حَقَّ جهاده﴾ [ الحج : ٧٨ ].
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال :﴿وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [ الأنعام : ٩١ ].