وقوله :﴿وأنتم شهداء﴾ حال أيضاً توازن الحال في قوله قبلها ﴿والله شهيد على ما تعملون﴾ ومعناه وأنتم عالمون أنّها سبيل الله.
وقد أحالهم في هذا الكلام على ما في ضمائرهم مِمَّا لا يعلمه إلاّ الله لأنّ ذلك هو المقصود من وخز قلوبهم، وانثنائهم باللائمة على أنفسهم، ولذلك عقّبه بقوله :﴿وما الله بغافل عما تعملون﴾ وهو وعيد وتهديد وتذكير لأنَّهم يعلمون أنّ الله يعلم ما تخفي الصدور وهو بمعنى قوله في موعظتهم السابقة ﴿والله شهيد على ما تعملون﴾ إلاّ أنّ هذا أغلظ في التَّوبيخ لما فيه من إبطال اعتقاد غفلته سبحانه، لأنّ حالهم كانت بمنزلة حال من يعتقد ذلك. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ١٧١﴾
وقال أبو حيان :
﴿وأنتم شهداء﴾ أي بالعقل نحو :﴿وألقى السمع وهو شهيد﴾ أي عارف بعقله، وتارة بالفعل.
نحو قال :﴿فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾ وتارة بإقامة ذلك، أي شهدتم بنبوّة محمد ﷺ قبل بعثه على ما في التوراة من صفته وصدقه.
وقال الزمخشري : وأنتم شهداء أنها سبيل الله التي لا يصدّ عنها إلا ضال مضلٌّ.
أو وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم، ويستشهدون في عظام أمورهم، وهم الأحبار انتهى.
قيل : وفي قوله :﴿وأنتم شهداء﴾ دلالة على أن شهادة بعضهم على بعض جائزة، لأنه تعالى سماهم شهداء، ولا يصدق هذا الاسم إلا على من يكون له شهادة.
وشهادتهم على المسلمين لا تجوز بإجماع، فتعين وصفهم بأن تجوز شهادة بعضهم على بعض، وهو قول أبي حنيفة وجماعة.
والأكثرون على أنَّ شهادتهم لا تقبل بحال، وأنّهم ليسوا من أهل الشهادة. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ١٧﴾

فصل


قال ابن عادل :


الصفحة التالية
Icon