ولما كان هذا السياق مفهماً لأن التقدير : فإنهم ينالون بذلك خيراً كثيراً، ولهم نعيم مقيم ؛ عطف عليه مرغباً :﴿وأولئك﴾ أي العالون الرتبة العظيمو النفع ﴿هم المفلحون﴾ حق الإفلاح، فبين سبحانه وتعالى أن الاجتماع المأمور به إنما هو بالقلوب الجاعلة لهم كالجسد الواحد، ولا يضر فيه صرف بعض الأوقات إلى المعاش وتنعيم البدن ببعض المباحات، وإن كان الأكمل صرف الكل بالنية إلى العبادة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٣٢ ـ ١٣٣﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى في الآيات المتقدمة عاب أهل الكتاب على شيئين أحدهما : أنه عابهم على الكفر، فقال :﴿قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ﴾ [ آل عمران : ٧٠ ] ثم بعد ذلك عابهم على سعيهم في إلقاء الغير في الكفر، فقال :﴿قُلْ يا أهل الكتاب لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ [ آل عمران : ٩٩ ] فلما انتقل منه إلى مخاطبة المؤمنين أمرهم أولاً بالتقوى والإيمان، فقال :﴿اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً﴾ [ آل عمران : ١٠٢، ١٠٣ ] ثم أمرهم بالسعي في إلقاء الغير في الإيمان والطاعة، فقال :﴿وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخير﴾ وهذا هو الترتيب الحسن الموافق للعقل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤٥﴾
وقال ابن عاشور :
هذا مفرع عن الكلام السابق : لأنه لما أظهر لهم نعمة نقلهم من حالتي شقاء وشناعة إلى حالتي نعيم وكمال، وكانوا قد ذاقوا بين الحالتين الأمرين ثم الأحلوين، فحلبوا الدهر أشطريه، كانوا أحرياء بأن يسعوا بكل عزمهم إلى انتشال غيرهم من سوء ما هو فيه إلى حسنى ما هم عليه حتى يكون الناس أمة واحدة خيرة.
وفي غريزة البشر حب المشاركة في الخير لذلك تجد الصبي إذا رأى شيئا أعجبه نادى من هو حوله ليراه معه.


الصفحة التالية
Icon