قال الله سبحانه وتعالى :﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فقاتلوا التى تَبْغِى حتى تَفِىء إلى أَمْرِ الله﴾ [ الحجرات : ٩ ] قدم الإصلاح على القتال، وهذا يقتضي أن يبدأ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأرفق مترقياً إلى الأغلظ فالأغلظ، وكذا قوله تعالى :﴿واهجروهن فِى المضاجع واضربوهن﴾ [ النساء : ٣٤ ] يدل على ما ذكرناه، ثم إذا لم يتم الأمر بالتغليظ والتشديد وجب عليه القهر باليد، فإن عجز فباللسان، فإن عجز فبالقلب، وأحوال الناس مختلفة في هذا الباب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٤٧﴾
من فوائد ابن عطية فى الآية
قال رحمه الله :
قرأ الحسن والزهري وأبو عبد الرحمن وعيسى بن عمر وأبو حيوة :" ولِتكن " بكسر اللام على الأصل، إذ أصلها الكسر، وكذلك قرؤوا لام الأمر في جميع القرآن، قال الضحاك والطبري وغيرهما : أمر المؤمنون أن تكون منهم جماعة بهذه الصفة، فهم خاصة أصحاب الرسول، وهم خاصة الرواة.
قال القاضي : فعلى هذا القول " من " للتبعيض، وأمر الله الأمة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ويحفظون قوانينها على الكمال، ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالماً، وذهب الزجّاج وغير واحد من المفسرين، إلى أن المعنى : ولتكونوا كلكم أمة يدعون، " ومن " لبيان الجنس قال : ومثله من كتاب الله، ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ [ الحج : ٣٠ ] ومثله من الشعر قول القائل :[ البسيط ]
أَخُوا رَغَائِبَ يُعْطِيها وَيسْأَلُها... يأبى الظُّلامةَ مِنْهُ النُّوفَل الزّفرُ


الصفحة التالية
Icon