قال القاضي : والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة، وحملهم على جادة العلم، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم، ولهم هي اليد، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولاً، وهذا في المنكر الذي له دوام، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر، كالسلب والزنى ونحوه، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر، وإن ناله بعض الأذى، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير " يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويستعينون بالله على ما أصابهم "، فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف، ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي، كما هي في قوله تعالى :﴿وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك﴾ [ لقمان : ١٧ ] وقوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾ [ المائدة : ١٠٥ ] معناه إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره، وقال بعض العلماء :" المعروف " التوحيد، و﴿المنكر﴾ الكفر، والآية نزلت في الجهاد.
قال الفقيه القاضي : ولا محالة أن التوحيد والكفر هما رأس الأمرين، ولكن ما نزل عن قدر التوحيد والكفر، يدخل في الآية ولا بد، ﴿المفلحون﴾ الظافرون ببغيتهم، وهذا وعد كريم. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ١ صـ ٤٨٥ ـ ٤٨٦﴾


الصفحة التالية