الثاني : قال القاشاني : يعني بالآيات : الحجج العقلية والشرعية الموجبة لاتحاد الوجهة، واتفاق الكلمة، فإن للناس طبائع وغرائز مختلفة، وأهواء متفرقة، وعادات وسيراً متفاوتة، مستفادة من أمزجتهم وأهويتهم، ويترتب على ذلك فهوم متباينة، وأخلاق متعادية، فإن لم يكن لهم مقتدى وإمام، تتحد عقائدهم وسرهم وآراؤهم بمتابعته، وتتفق كلماتهم وعاداتهم وأهوائهم بمحبته وطاعته، كانوا مهملين متفرقين، فرائس للشيطان، كشريدة الغنم، تكون للذئب. ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا بد للناس من إمام بر أو فاجر، ولم يرسل نبي الله ﷺ رجلين فصاعداً لشأن، إلا وأمّر أحدهما على الآخر، وأمَرَ الآخر بطاعته ومتابعته، ليتحد الأمر وينتظم، وإلا وقع الهرج والمرج، واضطرب أمر الدين والدنيا، واختل نظام المعاش والمعاد. قال رسول الله ﷺ :< من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنة >. وقال :< الله مع الجماعة >. ألا ترى أن الجمعية الْإِنْسَاْنية إذا لم تنضبط برئاسة القلب، وطاعة العقل، كيف اختل نظامها، وآلت إلى الفساد والتفرق، الموجب لخسار الدنيا والآخرة، ولما نزل قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾، خط رسول الله ﷺ خطاً فقال :< هذا سبيل الرشد، ثم خطّ عن يمينه وشماله خطوطاً فقال : هذه سبل، على كل سبيل شيطان يدعو إليه >.


الصفحة التالية
Icon