ثم قال قدس سره : إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف، صار أهل التفرق والاختلاف شيعاً، وعمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم، عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدرية والإيمان بالرسول وغير ذلك. وثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفهما تأولوه، فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر إلى غير ذلك. والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن. ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه من الاحتجاج بها. ثم قال قدس سره : فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعاً لقوله، وعلمه تبعاً لأمره، كما كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين. فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله ولا يوسوس ديناً غير ما جاء به الرسول. وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه، نظر فيما قاله الله والرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر، وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة.