لماذا كفروا به ﷺ ؟ لأنه زحزح عنهم السلطة الزمنية، فلم تعد لهم السلطة الزمنية التي كانوا يبيعون فيها الجنة ويبيعون فيها رضوان الله ويعملون ما يحقق لهم مصالحهم دون التفات لأحكام الله. وسبق أن قلت : إن قريشا قد امتنعت عن قول :" لا إله إلا الله " وهذا الامتناع دليل على أنها فهمت المراد من " لا إله إلا الله "، فلو كانت مجرد كلمة تقال لقالوها، لكنهم عرفوا وفهموا أنه لا معبود ولا مطاع ولا مشرع، ولا مكلف إلا الله.
إن الحق يقول لأهل الكتاب :﴿ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾
هب أنكم خبتم في ذواتكم، وحملتم وزر ضلالكم ؛ فلماذا تحملون وزر إضلالكم للناس ؟. كان يكفي أن تحملوا وزر ضلالكم أنتم، لا أن تحملوا أيضا وزر إضلالكم للناس ؟
إن الحق - سبحانه - قال :
﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ ﴾
[النحل : ٢٥]
إنه سبحانه قال ذلك مع أنه قد قال :
﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
[فاطر : ١٨]
إن الذي لا يحمل وزرا مع وزره هو الضال الذي لم يُضِل غيره، فهذا يتحمل إثمه فقط. أما الذي يحمل وزر نفسه، ووزر غيره فهو الضال المضل لغيره، وهنا يسألهم الحق سبحانه وتعالى على لسان رسوله :﴿ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ ﴾.