ولما حذرهم منهم عظم عليهم طاعتهم بالإنكار والتعجيب من ذلك مع ما هم عليه بعد اتباع الرسول ﷺ من الأحوال الشريفة فقال - عاطفاً على ما تقديره : فكيف تطيعونهم وأنتم تعلمون عداوتهم :﴿وكيف تكفرون﴾ أي يقع منكم ذلك في وقت من الأوقات على حال من الأحوال ﴿وأنتم تتلى﴾ أي تواصل بالقراءة ﴿عليكم آيات الله﴾ أي علامات الملك الأعظم البينات ﴿وفيكم رسوله﴾ الهادي من الضلالة المنقذ من الجهالة، فتكونون قد جمعتم إلى موافقة العدو مخالفة الولي وأنتم بعينه وفيكم أمينه ﴿ومن﴾ أي والحال أنه من ﴿يعتصم﴾ أي يجهد نفسه في ربط أموره ﴿بالله﴾ المحيط بكل شيء علماً وقدرةً في جميع أحواله كائناً من كان.
ولما كان من قصر نفسه على من له الكمال كله متوقعاً للفلاح عبر بأداة التوقع مقرونة بفاء السبب فقال :﴿فقد هدى﴾ وعبر بالمجهول على طريقة كلام القادرين ﴿إلى صراط مستقيم﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٣٠ ـ ١٣١﴾
وقال العلامة أبو السعود :
﴿يا أيها الذين ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب يَرُدُّوكُم بَعْدَ إيمانكم كافرين﴾ تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى المؤمنين تحذيراً لهم عن طاعة أهلِ الكتابِ والافتتانِ بفتنتهم إثرَ توبيخِهم بالإغواء والإضلالِ ردعاً لهم عن ذلك، وتعليقُ الردِّ بطاعة فريقٍ منهم للمبالغة في التحذير عن طاعتهم وإيجابِ الاجتنابِ عن مصاحبتهم بالكلية فإنه في قوة أن يُقال : لا تُطيعوا فريقاً الخ، كما أن تعميمَ التوبيخِ فيما قبله للمبالغة في الزجر أو للمحافظة على سبب النزولِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ٦٤﴾
قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾


الصفحة التالية
Icon